قابلته بعد عشر سنوات من غيابه، تغيرت هيئته وصار وسيما مهتما بهندامه ومظهره، بشوشا كعادته، سألته عن اخباره وعلمت انه صار مسئولا عن دار الايتام التي تربى فيها.
انه (س) الذي كنت اخدمه في طفولته وصباه بدار الايتام، كان ذكيا متفوقا في دراسته رغم اتصافه بالشقاوة المقرونة بخفة الظل.
كانت له مشكلاته ومتاعبه غير انه كان طموحا فتخرج في الجامعة وترك الدار بعدما بدأ يعمل ثم سافر للخارج طوال المدة التي لم اره فيها، ثم عاد ليعمل بمشروعه الخاص وليخدم بالدار التي تربى بها.
وما استوقني في حواره انه قال لي:
“لا انسى الليالي التي سهرتها معي لتشجعني ولتخرجني من حالات إلى أس التي كنت امر بها كثيرا”
سرحت بذهني فيما قاله ثم قلت له:
“وها انت قد حللت مكاني في خدمة الدار فاهتم بالاولاد”
عدت إلى بيتي وامسكت بقلمي واوراقي وبدأت في كتابة “ثمار العمل الفردي”
وقد ذكرني (س) بكل ما كنت اعمله في لقاءاتي الفردية مع اولاد الدار، وكيف أن جهودي لم تضع هباء بل عادت بالفائدة وبعد سنوات رأيت الثمار، ثمار العمل الفردي، وهي ما ساستعرضها الآن على لسان من قُدِمَ له العمل الفردي:
اولا: انا محبوب ومقبول:
من خلال خدمة خادمي لي ومن خلال اهتمامه بي شعرت اني محبوب وان لي قيمة.
وهذا ما عمله سيدنا المسيح له المجد معي، اذ تجسد ونزل إلى نا على الارض ليشعرنا أن لنا قيمة عنده وليشعرنا اننا محبوبون.
حتى أن الكتبة والفريسيين قد تعجبوا من قبوله للخطاة والعشارين الذين كانوا يدنون منه فقال لهم قولته الشهيرة:
“… لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى” (لو 5: 31)
حب خادمي لي – رغم تسببي في مشكلات ومتاعب لكل المحيطين بي – اشعرني بانني مقبول ومحبوب ولي قيمة كبيرة عند المسيح له المجد.
ثانيا: انا منتمي:
افتقاد خادمي لي كلما تغيبت اشعرني بأن لي مكان ومكانة في الكنيسة وبأن الكنيسة مكاني.
شعرت اني محبوب في الكنيسة وبأن الكل قلقون لغيابي، فصرت اشعر بانتمائي للكنيسة وللناس الذين في الكنيسة.
حكى لي صديق يحضر في كنيسة اخرى بأن احد لا يشعر بوجوده، فلو تغيب لا احد يسأل عنه، والغريب انهم في الكنيسة التي يحضر بها اهتموا بأن يحصلوا على عنوانه البريدي وعلى رقم تليفونه المحمول، وكلما تغيب كان يتوقع أن احدا منهم سيتصل به أو سيراسله على بريده الالكتروني ولكن احد لم يهتم.
العمل الفردي يُشعر الفرد بانه ينتمي للكنيسة وبانه عضو فعال في الكنيسة.
ثالثا: خادمي يجلس الى جواري:
في المدرسة وفي الجامعة لا نري المعلم أو الدكتور يجلس الى جوار التلميذ أو المتعلم، واما في الكنيسة فخادمي يجلس الى جواري على نفس المقعد.
ان تشعر أن استاذك ومعلمك يكلمك بندية وكأنك مثله فهذا يشعرك بالقيمة، ويشعرك أن المناصب في كل مكان الا الكنيسة.
ففي الكنيسة كلنا متساوون بل وخدامنا هم من يغسلون لنا الاقدام.
في العمل الفردي يجلس خادمي الى جواري ويحوطني بذراعه فاشعر اني في حضن المسيح له المجد
“اعظمك يا رب لانك احتضنتني ولم تشمت بي اعدائي”
(مز 30: 1)
رابعا: اساعد نفسي واخدم غيري:
كثير ما كنت اذهب لخادمي اطلب منه أن يحل لي مشكلتي فكان يقول لي:
“ساساعدك لتحل مشكلتك بنفسك لأنك انت أفضل انسان تقدر أن تحل مشكلتك”
كنت اتمنى منه أن يختصر الوقت والجهد ويقول لي ماذا اعمل؟ غير انه كان يدخل معي في حوار يمتد لوقت طويل لكيما اصل بنفسي الى حل مشكلتي.
لم اكن اعرف أو افهم لماذا يضِّع وقته في الكلام معي؟
لماذا لا يحل لي مشكلتي بكلمة واحدة وكنت اثق في حكمته؟
عرفت فيما بعد انه كان يعلمني التفكير وكيف احل مشكلة.
ومن خلال عمل الخادم الفردي معي علمني كيف افكر؟ وكيف احل مشكلتي ومشكلة غيري؟
علمني كيف اساعد نفسي وكيف اخدم غيري بما قدمه لي من خبرات ومن حب.
خامسا: الوقاية خير من العلاج:
في المقدمة تكلمت عن المرتدين والملحدين والمطلقين والمنتحرين وغيرهم كثير من الناس الذين يعانون من مشاكل معقدة وصعبة.
والسؤال هو:
هل لو وجد هؤلاء من يرعاهم ويهتم بهم كانوا قد وصلوا لتلك الحالة؟ هل وجدوا خادما عمل معهم عملا فرديا؟
هل وجدوا عناية خاصة من اي خادم؟
كتب احد الشباب في مذكراته التي كتبها في السجن:
“وفي حبسي الانفرادي تبادر الى ذهني خادمي الذي خدمني في المرحلة الاعدادية، تذكرته وتذكرت قول مرثا للمسيح لو كنت ههنا لم يمت اخي، وقلت لنفسي لو أن خادمي ظل متابعا لي لما وصلت للسجن… “
انه العمل الفردي الذي من الممكن أن يقينا من الوقوع في مشكلات معقدة.
فأن نهتم بالعمل الفردي اسهل من أن نحل المشكلات المعقدة التي نصل إلى ها نتيجة اهمالنا للعمل الفردي.
سادسا: الكنيسة حية باعضائها الاقوياء:
العمل الفردي يسمح لنعمة الله أن تسري لتصل لكل اعضائها وليس فقط للمواظبين على حضور الكنيسة.
فسيدنا المسيح له المجد كان يجلس فيأتي الناس إلى ه، ولكنه لم يكن ليكتفي بهذا بل كان يبحث عن الغائبين ويذهب بنفسه إلى هم.
فعلى الرغم من مزاحمة الناس له الا انه اهتم بامراة واحدة كانت نازفة دم فلما لمسته نالت الشفاء وقال:
“… قد لمسني واحد لاني علمت أن قوة قد خرجت مني”
(لو 8: 46)
وهكذا فقوة المسيح له المجد تصل لكل اعضاء الكنيسة من خلال العمل الفردي للخدام، الذين من خلالهم نتلامس مع شخص المسيح له المجد
فالكنيسة حية وقوية باعضائها من داخلها ومن خارجها.
التربية الجنسية. متى؟ وكيف؟
التربية الجنسية. متى؟ وكيف؟ سؤال يردده بعض الآباء والأمهات: متى نبدأ في التربية الجنسية؟…