يعيش “سامي” حياة صعبة فيها الكثير من المتاعب والمشكلات التي أراها تفوق قدرته علي الاحتمال فقد انتقل أبوه وأمه في سنتين متتاليتين وتركاه وحيدا مع أخيه المقعد منذ طفولته,ويعمل سامي موظفا بأحدي الشركات ورغم قلة الراتب الذي يتقاضاه إلا انه لا يعاني من ضائقة ماليه لأنه ورث عن أبيه مالا وفيرا وحسابا في البنك.

كان سامي من المواظبين علي الكنيسة بدرجة معقولة فهو يحضر القداسات واجتماع الشباب غير انه قليل الكلام ولم أر له أصدقاء كثيرين.

 لا استطيع أن انسي الحوار الذي دار بيننا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ففي ذلك اللقاء أيقنت أننا نتعلم أيضا ممن نخدمهم فنحن لسنا من يملك الحقيقة وحده.

سألته في ذلك اليوم عن أحواله وعن علاقاته بزملائه في الكنيسة فقال لي”أنا بطبعي لا أحب الكلام الكثير وبطبعي متحفظ ولكني أحب كل زملائي في اجتماع الشباب”.

سألته:هل تزورهم أو يزوروك؟

فقال لي:زى ما حضرتك تعرف فانا أعيش بمفردي في البيت وغالبا بيكون البيت مش مرتب وعشان كده مش باحبذ أن حد يزورني.

سألته:يا تري أنت مبسوط؟

سكت قليلا وتنهد ثم قال:الحمد لله.

فقلت:هذه هي العبارة المعتادة من اغلب الناس في الإجابة علي هذا السؤال بالتحديد, ولكننا نشكر الله علي كل حال فلذلك أنا لا اعتبر هذه العبارة هي كل الإجابة بل جزءا منها.

قال:هل تتذكر حضرتك السؤال اللي سأله زميلنا امجد للمتكلم في الاجتماع من حوالي شهر؟

قلت:أي سؤال؟

قال:لما سأل امجد عن أهمية الدين وليه الدين مهم؟

قلت:آه تذكرت ولكن للأسف حسيت إن امجد خرج من الاجتماع وهو مش مقتنع بإجابة الأستاذ المتكلم.

قال:كنت عايز يومها أقوم أجاوب ولكني اتكسفت ولكن بعد الاجتماع وقفت مع امجد وجاوبته علي سؤاله.

فقلت:وإيه إجابتك علي سؤاله؟

قال:الدين في الحقيقة علاقة خاصة جدا بين الإنسان والله,وكل واحد فينا بيتخيل العلاقة دي بطريقه,ففيه اللي بيخلي العلاقة تاخد الشكل النفعي الاستغلالي,فربنا هو مجرد محقق لما نريد وفي صلاة الشخص ده بتلاقيها مجرد طلبات بيطلبها من ربنا.

وفيه اللي بيتخيل إن العلاقة مع ربنا تبادل منفعة,فانا عملت لك كذا وكذا يا رب وعايز كذا.

وفيه اللي العلاقة عنده علاقة حب فالله بالنسبة له هو الصديق اللي بيشاركه كل حياته.

في الحالة دي بيحس الإنسان بأهمية الدين كعلاقة حب بالله.

فالله كصديق يسندنا في وقت ما بنكون بنعاني,هو لا يمنع عنا الألم ولكنه بيكون معانا وقت الألم.

وهو ده سبب فرح القديسين.

كنت أصغي إلي سامي وأنا اشعر انه لا يردد كلاما سمعه أو قراه بل يتكلم بما يعيشه وبما اختبره.

فقلت لسامي:بس أنا حاسس إن الكلام ده نظري شوية وبعيد عن الواقع.

قلت له هذا ليس عن اقتناع شخصي ولكن لكي استحثه ليقول لي المزيد وليتكلم أكثر.

قال:صدقني يا أستاذ….أنا باكلمك عن اللي حاسه وحضرتك عارف.

أنا لما بقيت لوحدي أنا واخويا بعد موت بابا وماما فكرت في حالي وتضايقت ولقيتني بأسال:

أنت فين يا رب؟وليه تسمح بكده؟

يومها لم أتلق أية إجابة من الله,فشعرت اكتر بالوحدة وبالظلم.

كنت باقرأ في ليلة في الكتاب المقدس فقريت:

فان كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ورثة الله و وارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه (رو 8:  17)

فهمت الآية وحسيت أنها موجهة ليا أنا بالتحديد بس سالت وإيه علاقة إننا وارثون بالألم؟

فقلت ربما المقصود إن واحد غني مات وساب لأولاده فلوس كتير جدا وساب له برضو شوية ديون فلما الأب ده مات أولاده ورثوا المال والديون مع بعض فسددوا ديونهم من المال وبقيوا برضو أغنياء.

فالله تبنانا وإحنا ورثته..إحنا والمسيح ورثة الله..فزي ما المسيح اتألم لازم نتألم(الديون)وزي ما المسيح قام وصعد للسماء وأتمجد..إحنا برضو حا نتمجد بس بعد تسديد الديون مش قبل كده.

مش عارف رأي حضرتك ياه في الكلام ده يا أستاذ؟لأني حاسس إني ممكن أكون خرفت.

قلت:بالعكس أنت فهمت الآية صح.بس إيه كان شعورك بعد ما قريت الآية؟

قال:حسيت إني مش لوحدي في الألم ولكن المسيح بيتألم معايا,ولما امجد سأل سؤاله كنت عايز أقول له انك مش ممكن تفهم أهمية الدين إلا لما تمر بمحنة وتحس إن مافيش حاجة ممكن تسندنا في المحنة غير الصديق الوحيد اللي هو ربنا واللي بنسمي علاقتنا بيه الدين.

استمر حواري مع سامي لوقت طويل وحكي لي عن معاناته في خدمة أخيه وكيف انه يتأرجح أحيانا بين الشعور بالتذمر ثم الشعور بالرضي والشكر ولكنه يؤمن بان سر احتمال الألم يكمن في مدي إيماننا بأننا لسنا وحدنا في الألم بل المسيح يتألم معنا.

شكرته علي كلامه والغريب انه لم يكن يلاحظ أني من تعلمت منه وليس هو من تعلم.

هذا هو يا أصدقائي علاج الألم,فان كنت لا تستطيع أن تمنع الألم من أن يصيبك فعلي الأقل الجأ بنفسك إلي الله فتستريح.

 

لو كانت لديكم مذكرات مشابهه لما قرأتموه فلماذا لا تكتبوا لنا عنها.

نرحب بكتاباتكم.

rafaelabouna@gmail.com

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أزمة منتصف العمر

أولاً: مقدمة وتعريف تعرف ازمة منتصف العمر بانها المرحلة التى يمر بها الانسان ما بين 40 – 5…